فصل: الرابع والسبعون باب ما جاء في التنزيل مما يتخرج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إعراب القرآن **


 الثاني والسبعون باب ما جاء في التنزيل وقد أبدل المستثنى من المستثنى منه

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ما فعلوه إلا قليلٌ منهم ‏"‏ رفعوا ‏"‏ قليلا ‏"‏ بالبدل من الواو في ‏"‏ فعلوه ‏"‏ إلا ابن عامر‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك ‏"‏‏.‏

رفعه ابن كثير وأبو عمرو على البدل من ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ‏"‏ رفعوا ‏"‏ أنفسهم ‏"‏ عن آخرهم على البدل من ‏"‏ شهداء ‏"‏‏.‏

ومنه قوله‏:‏ ‏"‏ ومن يغفر الذنوب إلا الله ‏"‏ ف ‏"‏ من ‏"‏ مبتدأ استفهام بمعنى النفي وفي ‏"‏ يغفر ‏"‏ ضمير يعود إلى ‏"‏ من ‏"‏ وقوله ‏"‏ إلا الله ‏"‏ رفع بدل من الضمير في ‏"‏ يغفر ‏"‏ وكأنه قال‏:‏ ما أحد يغفر الذنوب إلا الله‏.‏

فثبت أن نظر شارحكم الجليل في هذا الباب ساقط حيث قال‏:‏ ‏"‏ من ‏"‏ مبتدأ وقوله ‏"‏ إلا الله ‏"‏ خبره‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ‏"‏‏.‏

رفع بدل من الضمير في ‏"‏ يرغب ‏"‏‏.‏

فالاختيار في هذه الأشياء إذا كان بعد النفي أن يكون بدلا مما قبله عند سيبويه وغيره‏.‏

وقال قوم‏:‏ إذا لم يجز في الاستثناء لفظ الإيجاب لم يجز البدل فيقولون‏:‏ ما أتاني إلا زيد على البدل لأنه يجوز‏:‏ أتاني القوم إلا زيدا ولا يقولون‏:‏ ما أتاني أحد إلا زيد لأنه لا يجوز‏:‏ أتاني أحد‏.‏

قال أبو سعيد‏:‏ ولأنه قد أحاط العلم‏:‏ إنا إذا قلنا‏:‏ ما أتاني أحد فقد دخل فيه القوم وغيرهم فإنما ذكر بعض ما اشتمل عليه أحدهما يستثنى بعضه‏.‏

وقد احتج عليهم سيبويه ببعض ما ذكرناه بأن قال‏:‏ كان ينبغي إن قال ذلك أن يقول‏:‏ ما أتاني أحد إلا وقد قال ذاك إلا زيدا والصواب في ذلك نصب زيد و ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا لأنك لما قلت‏:‏ ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك صار الكلام موجبا لما استثنى من المنفي فكأنه قال‏:‏ كلهم قالوا ذاك فاستثنى زيدا من شيء موجب في الحكم فنصب وإنما ذكر هذا لأنه ألزم القائل بما ذكر من جواز‏:‏ ما أتاني أحد إلا زيد ومنع‏:‏ ما أتاني القوم إلا زيد فإن قال‏:‏ إن كان يوجب النصب لأن الذي قيل إلا جمع فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ‏"‏ بعد الجمع وإن كان جواز الرفع والبدل لأن الذي قبل إلا واحد فينبغي أن يجيزوا الرفع في قولهم‏:‏ ما أتاني إلا أحد إلا قد قال ذاك إلا زيد فالواجب فيه النصب وإنما ألجأهم سيبويه إلا أن يقولوا‏:‏ الذي يوجب البدل أن يكون ما قبل إلا نفيا فقط جمعا كان أو واحدا‏.‏

قال أبو علي‏:‏ الوجه في قولهم ما أتاني أحد إلا زيد الرفع وهو الأكثر الأشيع في الاستعمال والأقيس فقوته من جهة القياس أن معنى‏:‏ ما أتاني أحد إلا زيدا وما أتاني إلا زيد واحد فكما اتفقوا على‏:‏ ما أتاني إلا زيد إلا الرفع وكان‏:‏ ما أتاني أحد إلا زيد بمنزلته وبمعناه اختاروا الرفع مع ذكر أحد وأجروا ذلك على‏:‏ يذر ويدع في أن يذر لما كان في معنى يدع ومما يقوى ذلك أنهم يقولون‏:‏ ما جاءني إلا امرأة فيذكرون حملاً على المعنى ولا يؤنثون ذلك فيما زعم أبو الحسن إلا في الشعر قال‏:‏ ترى البحر والآجال يأتى عروضها فما بقيت إلا الضلوع الجراشع فكما أجروه على المعنى في هذا الوضع فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث كذلك أجروه عليه في نحو‏:‏ ما جاءني أحد إلا زيد فرفعوا الاسم الواقع بعد حرف الاستثناء وأما من نصب فقال‏:‏ ما جاءني أحد إلا زيدا فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب من حيث اجتمعا في أن كل واحدٍ منهما كلام تام‏.‏

 الثالث والسبعون باب ما جاء في التنزيل وأنت تظنه فعلت الضرب

في معنى ضربته وذلك لقلة تأملك في هذه الصناعة فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ‏"‏‏.‏

إذا فسرت ‏"‏ ما ‏"‏ ب ما النافية توجه عليك أن تقول‏:‏ لا يعذبكم الله إن شكرتم وآمنتم‏.‏

وقوله‏:‏ لا يعذبكم الله أفصح من قوله‏:‏ ما يفعل الله بعذابكم‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ والذين هم للزكاة فاعلون ‏"‏ فيقال‏:‏ لك‏:‏ هلا قال‏:‏ والذين هم للمال مزكون لأن زكيت المال أفصح من فعلت زكاة المال ولا يعلم هذا الطاعن أن معنى قوله‏:‏ ‏"‏ والذين هم للزكاة فاعلون ‏"‏‏.‏

الذين هم عاملون لأجل الطهارة والإسلام ويطهرون أنفسهم كما قال‏:‏ ‏"‏ قد أفلح من زكاها ‏"‏ فليس هذا من زكاة المال في شيء أو يعنى‏:‏ قد أفلح من زكاها أي‏:‏ من المعاصي والفجور‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ودع أذاهم وتوكل على الله ‏"‏ قال‏:‏ معناه‏:‏ لا تؤذهم وهو أفصح من‏:‏ دع أذاهم إلا أنهم قالوا‏:‏ معناه‏:‏ دع الخوف من أذاهم‏.‏

ومن ذلك‏:‏ ‏"‏ وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ‏"‏ المعنى‏:‏ من يفعل المذكور منكم لأن قبله ‏"‏ تلقون إليهم بالمودة ‏"‏ ولو لم يفسره بما ذكرنا كان‏:‏ من يفعل الإلقاء بالمودة فيقال‏:‏ لو قال ومن يلق المودة منكم كان أفصح‏.‏

فهذه أربع آيات حضرتنا الآن‏.‏

 الرابع والسبعون باب ما جاء في التنزيل مما يتخرج

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ذرية بعضها من بعضٍ ‏"‏‏.‏

فسروه مرةً ب فعيلة من الذر و فعلولة منه أيضا من‏:‏ ذرأ الله الخلق‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ كوكب دري ‏"‏‏.‏

قال أبو علي‏:‏ من قال‏:‏ درى كان فعيلا من الدرء الذي هو الدفع وإن خففت الهمزة من هذا قلت‏:‏ درى‏.‏

وحكى سيبويه عن أبي الخطاب‏:‏ كوكب درى في الصفات ومن الأسماء‏:‏ المريق للعصفر‏.‏

ومن ذلك‏:‏ جبريل وميكائيل وإسرائيل‏.‏

قال أبو علي‏:‏ روينا عن أبي الحسن من طريق أبي عبد الله اليزيدي عن عمه عنه أنه قال‏:‏ في جبريل خمس لغات‏:‏ جبرايل وجبرئيل وجبرال وجبريل وجبرين وهذه أسماء معربة فإذا أتى بها على ما في أبنية العرب مثله كان أذهب في باب التعريب يقوى ذلك تغييرهم للحروف المفردة التي ليست من حروفهم لتغييرهم الحرف الذي بين الهاء والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة أو الفاء المحضة كقولهم‏:‏ البرند والفرند وكذلك تحريكهم الحركة التي ليست من كلامهم كالحركة التي في قول العجم‏:‏ زور وأشوب يحصلونها ضمة فكما غيروا الحرف والحركات إلى ما في كلامهم فكذلك القياس في أبنية هذه الكلم إلا أنهم قد تركوا أشياء من العجمة على أبنية العجم التي ليست من أبنية العرب كالآجر والإبريسم والفرند وليس في كلامهم على هذه الأبنية فكذلك قول من قال‏:‏ جبريل إذا كسر الجيم كان على لفظ قنديل و برطيل وإذا فتحها فليس لهذا البناء مثل في كلامهم فيكون هذا من باب‏:‏ الآجر والفرند ونحو ذلك من المعرب الذي لم يجىء له مثل في كلامهم فكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعا وإن كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب وكذلك القول في‏:‏ ميكال وميكايل بزنة‏:‏ سرداح وقنطار و ميكايل خارج عن أبنية كلام العرب‏.‏

فأما القول في زنة ميطل فلا يخلو من أن يكون فيعالا أو مفعالا ولا يجوز أن يكون فيعالا لأن هذا بناء يختص به المصدر‏:‏ كالقيتال والحيقال وليس هذا الاسم بمصدر ولا يجوز أن يكون فعالا فيكون من أ كل أو وكل لأن الهمزة المحذوفة من ميكايل محتسب بها في البناء فإذا ثبت لك ذلك صارت الكلمة من الأربعة وباب الأربعة لا تلحقها الزيادة في أوائلها إلا الأسماء الجارية على أفعالها وليس هذا على ذلك الحد فإذا لم يكن كذلك ثبت أن الميم أصل كما كانت الهمزة في إبراهيم ونحوه أصلا ليس بزيادة‏.‏

ولا يجوز أيضا أن يكون فعالا لأن الهمزة المحذوفة من البناء مقدرة فيه نظير ذلك في حذف الهمزة والاعتداد بها مع الحذف في البناء قولهم‏:‏ سواية إنما هي سوائية كالكراهية وكذلك الهمزة المحذوفة من أشياء على قول أبي الحسن مقدرة في البناء فكذلك الهمزة في ميكائيل‏.‏

فإن قلت‏:‏ فلم لا تجعلها بمنزلة التي في حطايط و جرايض فإن ذلك لا يجوز لأن الدلالة لم تقم على زيادتها كما قلت في قولهم‏:‏ جرواض فهو ذا بمنزلة التي في برائل وكذلك جبريل الهمزة التي تحذف منها ينبغي أن يقدر حذفها للتخفيف وحذفها للتخفيف لا يوجب إسقاطها من أصل البناء كما لم يجز إسقاطها في سوايه من أصل البناء‏.‏

فإذا كان كذلك كانت الكلمة من بنات الخمسة وهذا التقدير يقوى قول من قرأ جبرئل و ميكائيل بالهمزة لأنه يقول‏:‏ إن الذي قرأ جبريل وإن كان في اللفظ مثل برطيل فتلك الهمزة عنده مقدرة وإذا كانت مقدرة في المعنى فهي مثل مائبت في اللفظ وأما اسرافيل فالهمزة فيه أصل لأن الكلمة من بنات الأربعة كما كانت الميم من ميكايل كذلك ف إسرافيل من الخمسة كما كان جبريل كذلك والقول في همزة اسرايل و اسماعيل و ابراهيم مثل القول في همزة اسرافيل فإنها من نفس الكلمة والكلمة من بنات الخمسة وقد جاء في أشعارهم الأمران ما هو على لفظ التعريب وما هو خارج عن ذلك قال‏:‏ عبدوا الصليب وكذبوا بمحمدٍ وبجبرئيل وكذبوا ميكالا وقال‏:‏ وجبريلٌ رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء وقال‏:‏ شهدنا فما تلقى لنا من كتيبةٍ يد الدهر إلا جبرئيل أمامها ويوم بدرٍ لقيناكم لنا مدد فيه لذا النصر ميكالٌ وجبريل فأما ما روى عن أبي عمرو أنه كان يخفف جبريل وميكال ويهمز اسرائيل فما أراه إلا لقلة مجىء اسرال وكثرة مجىء جبريل وميكال في كلامهم والقياس فيهما واحد وقد جاء في شعر أمية‏:‏ إسرال قال‏:‏ لا أرى من يعيشنى في حياتي غير نفسي إلا بنو إسرال قال‏:‏ إن ايل و آل اسم الله وأضيف ما قبلهما إليهما كما يقال‏:‏ عبد الله وهذا ليس بمستقيم من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن ايل و ال لا يعرفان في اسم الله سبحانه وتعالى في اللغة العربية‏.‏

والآخر‏:‏ أنه لو كان كذلك لم ينصرف آخر الاسم في وجوه العربية ولكان الآخر مجرورا كما أن آخر عبد الله كذلك ولو كان مضافا لوقع التعريب عليه على حد ما وقع في غيره من الأسماء المضاف إليها‏.‏

ومما يلحق بهذا الباب زكريا من قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وكفلها زكريا ‏"‏‏.‏

فالقول في همزته أنها لا تخلو من أن تكون للتأنيث أو للإلحاق به ولا يجوز أن تكون منقلبة ولا يجوز أن تكون للإلحاق لأنه ليس في الأصول شيء على وزنه فيكون هذا ملحقا به ولا يجوز أن تكون منقلبة لأن الانقلاب لا يخلو من أن يكون من نفس الحرف أو من الإلحاق فلا يجوز أن يكون من نفس الحرف لأن الياء والواو لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف ولا يجوز أن تكون منقلبة من حرف الإلحاق لأنه ليس في الأصول شيء على وزنه يكون هذا ملحقا به فإذا بطل هذا ثبت أنه للتأنيث وكذلك القول فيمن قصر وقال‏:‏ زكريا ونظير القصر والمد في هذا الاسم قولهم‏:‏ الهيجا والهيجاء قال لبيد‏:‏ إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيفٌ مهند لما أعربت الكلمة وافقت العربية وقد حذفوا ألف التأنيث من الكلمة فقالوا‏:‏ يمشى الجيض والجيضى فعلى هذا قالوا‏:‏ زكريا وزكرى فمن قال‏:‏ زكرى صرف والقول فيه أنه حذف الياءين اللتين كانتا في زكريا وألحق الكلمة ياء النسب يدلك على ذلك صرف الاسم ولو كانت الياء في زكرى الياءين اللتين كانتا في زكريا لوجب ألا ينصرف الاسم للعجمة والتعريف كما أن ابراهيم ونحوه من الأعجمية لا ينصرف وانصراف الاسم يدل على أن الياءين للنسب‏.‏

فانصرف الاسم وإن كان لو لم يلحقه الياء لم ينصرف للعجمة والتعريف يدلك على ذلك أن ما كان على وزن مفاعل لا ينصرف فإذا لحقته ياء النسب انصرف كقولك‏:‏ مدائنى ومغافرى‏.‏

وقد جرت تاء التأنيث فقالوا‏:‏ صياقل فلم يصرفوا وألحقوا التاء فقالوا‏:‏ صياقلة فاتفق تاء التأنيث وياء النسب في هذا كما اتفقا في‏:‏ رومى وروم وشعيرة وشعير ولحقت الاسم يا آان وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى شيء كما لم يكن في‏:‏ كرسى وقمرى وثمانى معنى نسب إلى شيء‏.‏

وهذا نظير لحاق التأنيث ما لم يكن فيه معنى تأنيث كعرفة وطلحة ونحو ذلك‏.‏

ويدل على أن الياءين في زكرى ليستا اللتين كانتا في زكريا أن ياءى النسب لا تلحقان قبل ألف التأنيث وإن كانتا قد لحقتا قبل التاء في بصرية لأن التاء بمنزلة اسم مضموم إلى اسم والألف ليست كذلك ألا ترى أنك تيسر عليها الاسم والتاء ليست كذلك‏.‏

ذكره الفارس في الحجة‏.‏

ومن ذلك قراءة من قرأ‏:‏ ‏"‏ ألا إنهم يثنون صدورهم ‏"‏ على يفعوعل ‏"‏ صدورهم ‏"‏ بالرفع‏.‏

بمعنى‏:‏ تنطوى صدورهم انطواء‏.‏

وروى أيضا بالياء يثنونى من اثنونى مثل احلونى كررت العين للمبالغة‏.‏

ومنه‏:‏ ‏"‏ اخشوشنوا ‏"‏ من قول عمر‏.‏

وروى عن ابن عباس ‏"‏ ليثنون ‏"‏ بلام التأكيد في خبر إن وأراد تثنونى على ما مضى لكنه حذف الياء تخفيفا‏.‏

‏"‏ وصدورهم ‏"‏ كذلك رفع‏.‏

وروى عن ابن عباس أيضا ‏"‏ يثنون ‏"‏ ووزنه يفعوعل من الثن وهو ما يبس وهش من العشب وتكرير العين فيه أيضا للمبالغة و ‏"‏ صدورهم ‏"‏ رفع‏.‏

فاعل بالفعل والمعنى‏:‏ لأن قلوبهم انقادت لهم للاستخفاء من الله تعالى‏.‏

وروى أيضا يثنئن بالهمزة مثل يطمئن و صدورهم كذلك رفع‏.‏

وهو من باب‏:‏ وشاح وإشاح ووسادةٍ وإسادة‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن يثنئن يفعئل من الثن المقدم مثل يحمار ويصفار‏.‏

فحركت الألف لالتقائهما بالكسر فانقلبت همزة‏.‏

وروى‏:‏ إلا أنهم يثنون صدورهم من أثنى يثنى إذا وجده منطويا على العداوة من باب أحمدته أي وجدته محمودا‏.‏

ومن ذلك ام جاء في التنزيل من قوله في نحو قوله‏:‏ ‏"‏ إياك نعبد وإياك نستعين ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ وإياي فارهبون ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ وإياي فاتقون ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ ضل من تدعون إلا إياه ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ فإياي فاعبدون ‏"‏‏.‏

كل مفسر على قول أبي إسحاق لأن إياك عنده مظهر وهو مضاف إلى الكاف وعلى قول غيره هو مضمر فإذا كان مضمرا لم يحكم بوزنه ولا اشتقاقه ولا تصرفه فأما إذا كان مظهرا وسمى به على قول من قال هو مضمر فيحتمل ثلاثة أضرب‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون من لفظ‏:‏ آويت‏.‏

والآخر‏:‏ أن يكون من لفظ الآية‏.‏

والآخر‏:‏ أن يكون من تركيب أو و وهو من قول الشاعر‏:‏ فيمن رواه هكذا‏.‏

فأو على هذا بمنزلة‏:‏ قو زيدا وهو من مضاعف الواو ولا يكون فأو كقولك‏:‏ سو زيدا وأو عمرا و‏:‏ حو حبلا فإن ذهب إلى أن أيا من لفظ أويت احتمل ثلاثة أمثلة‏:‏ أحدها‏:‏ أن يكون أفعل‏.‏

والثاني‏:‏ فعيلا وفعولا‏.‏

والأخيرة‏:‏ فعلى‏.‏

أما أفعل فأصله‏:‏ إيؤى فقلبت الياء التي هي لامٌ ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت إأوا قلبت الهمزة الأولى‏.‏

التي هي فاء الفعل ياء لسكونها وانكسار الهمزة قبلها فصارت‏:‏ ايوا فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت‏:‏ إيا‏.‏

فإن قلت‏:‏ ألست تعلم أن الياء قبل الواو في إيوا ليست بأصلٍ وإنما هي بدل من الهمزة التي هي ياء الفعل فهلا لم تقلب لها الواو ياء إذ كانت غير أصل وبدلا من همزة كما يقول في الأمر من‏:‏ أوى يأوى‏:‏ إيو يا رجل ولا تقلب الواو ياء وإن كانت قبلها ياء لأن تلك الياء أصلها الهمزة فالجواب‏:‏ أن هذا إنما يفعل في الفعل لا في الاسم وذلك أن الفعل لا يستقر على حال واحدة ولا الهمزة المكسورة في أوله بلازمة وإنما هي ثابتة ما ابتدأت فإذا وصلت سقطت البتة ألا تراك تقول‏:‏ أيو و‏:‏ أو وإن شئت فأو كما قال‏:‏ ‏"‏ فأووا إلى الكهف ‏"‏ وليس كذلك الاسم لأنه إن كانت في أوله كسرة أو ضمة أو فتحة ثبت على كل حال وذلك قولك‏:‏ ‏"‏ إياك نعبد ‏"‏ وضربت القوم إلا إياك فالهمزة ثابتة مكسورة في الوصل والوقف ألا ترى أنهم قالوا في مثل أحوى من أويت‏:‏ أيا فأصله‏:‏ أأوا فقلبت الهمزة الثانية لاجتماع الهمزتين ياء فصارت ايوا وقلبت الواو ياء لوقوع الياء الساكنة المبدلة من الهمزة قبلها فصار أيى فلما اجتمعت ثلاث ياءات على هذه الصفة حذفت الأخيرة تخفيفا كما حذفت من تصغير أحوى في قولك‏:‏ أحى وكذلك قالوا في مثل أويةٍ من أويت‏:‏ أياه وأصله‏:‏ أوية فقلبت الهمزة الثانية ياء وأبدلت لها الواو ياء وأدغمت الأولى في الثانية وقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت أياه فهذا حكم الأسماء لأنها غير منقلبة والأفعال لا تثبت على طريقة واحدة فليس التغيير فيها بثابت‏.‏

وأما كونه فعيلا من وزن عرتل و طريم و عذيم فأصله على هذا‏:‏ أويى ففصلت ياء فعيل بين الواو والياء كما فصلت في المثال بين العين واللام فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء وأدغمت في ياء فعيل فصارت‏:‏ أيى ثم قلبت الياء الأخيرة التي هي لامٌ ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت‏:‏ أيا‏.‏

وأما كونه فعولا فأصله‏:‏ إووى فقلبت الواو الأولى ياء التي هي عين لسكونها وانكسار الهمزة قبلها ثم قلبت الواو الزائدة بعدها ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها وأدغمت الأولى في الثانية وقلبت الياء التي هي لامٌ ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت إيا كما ترى فلم تصح الواوان لأنهما لستا عينين‏.‏

وأما كونه فعلى فأصله إويا فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ولوقوع الياء بعدها أيضا ثم أدغمت في الياء بعدها فصارت إيا‏.‏

فإن سميت به رجلا وهو أفعل لم ينصرف معرفة وانصرف نكرة وحاله فيه حال إشفى وإن سميت به رجلا وهو فعلى فالوجه أن يجعل ألفه للتأنيث بمنزلة ألف ذكرى و ذفرى فإذا كان كذلك لم ينصرف معرفة ولا نكرة وإن ذهبت إلى أن ألفه للإلحاق وألحقته ب تجرع وأجريتها مجرى ألف مغزى لم تصرفه معرفة وصرفته نكرة وجرى حينئذٍ مجرى ألف حبنطى و دلنطى و سرندى‏.‏

وأما إذا جعلت أيا من لفظ الآية فيحتمل أن يكون على واحدٍ من خمسة أمثلة وهي‏:‏ أفعل لم يبق هذا الدهر من آيائه غير أثافيه وأرمدائه فظهور الياء عينا في آياته يدل على ما ذكرناه من كون العين من آية ياء وذلك أن وزن آيا‏:‏ افعال ولو كانت العين واوا لقالوا‏:‏ أواية إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا الموضع فإذا ثبت وبغيره مما يطول ذكره كون العين من آية ياء ثم جعلت ايا افعلا‏.‏

فأوصله‏:‏ اآئى فقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء ياءً لاجتماع الهمزتين وانكسار الأولى منهما ثم أدغمتهما في الياء التي هي عين بعدها فصارت‏:‏ أي ثم قلبت الياء التي هي لام في آيةٍ و آى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت‏:‏ أيا ولم يسغ الاعتراض الذي وقع قديما في إدغام الياء المبدلة من الهمزة التي هي‏:‏ فاء في افعل من اويت إذ صار لفظها إلى أيوى لأن العين هناك واو فاحتجت إلى قلبها ياء لوقوع الياء المبدلة من الهمزة قبلها والانتصار هناك لذاك‏.‏

وأما إذا جعلتها من الآيه والعين في الأصل ياء ثم وقعت قبلها الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء فلما اجتمع المثلان وسكن الأول منهما أدغم في الثاني بلا نظرٍ فقلبت إيا وجرى ذلك مجرى قوله عز اسمه ‏"‏ هم أحسن أثاثاً ورئيا ‏"‏ فيمن لم يهمز وجعله فعلا من رأيت وأصله على هذا رئيا‏.‏

قال‏:‏ وحدثنا أبو علي‏:‏ أن القراءة فيه على ثلاثة أوجه‏:‏ رئيا وريا وزيا بالزاي‏.‏

وإذا جعلته فعلا مثل ألق و قنب فالياء المشددة هي العين المشددة وأصله‏:‏ آيى والياء المبدلة ألفا أخرى هي لام الفعل فهي منقلبة من الياء التي هي لام اية فقلبت الياء الأخيرة لما ذكرت لك‏.‏

وإذا جعلته فعيلا مثل‏:‏ عزيم و حذيم فالياء الثانية في إيا هي ياء فعيل والياء الأولى هي عين فعيل‏.‏

وإذا جعلته فعولا فأصله إيوى وهو بوزن خروع و جردل فيمن كسر الجيم فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء التي هي عين فعول في الياء التي أبدلت من واوه وقلبت الياء التي هي لامٌ ألفا لما ذكرنا فصارت ألفا‏.‏

فإذا جعلته فعلى فالياء الأولى في إيا هي العين والثانية هي اللام والألف ألف فعلى ويجوز أن تكون للتأنيث ويجوز أن تكون للإلحاق على ما تقدم والوجه في هذه الألفات أن تكون للتأنيث لأنها كذلك أكثر ما جاءت‏.‏

فأما إذا كان من لفظ فأولذ كراها فأصله على ما يثبت لك من تركيب أوو فإنه يحتمل أربعة أمثلة أحدها‏:‏ افعل والآخر‏:‏ فعيل والآخر‏:‏ فعول والآخر‏:‏ فعلى‏.‏

فإذا جعلته افعل‏.‏

فأصله اأوو فقلبت همزته الثانية التي هي فاء افعل ياء لانكسار الهمزة قبلها فصار في التقدير ايوو ثم قلبت الواو الأولى التي هي عين افعل ياء لوقوع الياء الساكنة قبلها على ما تقدم فصار في التقدير‏:‏ ايو ثم قلبت الواو ياء لأنها وقعت رابعة كما قلبت في أغزيت و أعطيت فصار في التقدير‏:‏ إيى‏.‏

ثم قلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار إيا كما ترى‏.‏

وإذا جعلته فعيلا فأصله حينئذ او يو فقلبت الواو الأولى التي هي عين الفعل‏:‏ ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ولأنها أيضا ساكنة قبل الإدغام ثم أدغمت تلك الياء في ياء فعيل فصارت ايو ثم قلبت الواو ياء لأنها واقعة طرفا ثم قلبت تلك الياء ألفا على ما عمل في المثال الذي قبلها فصارت إيا‏.‏

وإذا كان فعولا فأصله إوو فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وقلبت الواو بعدها لوقوع الياء ساكنة قبلها وأدغمت الأولى ثم قلبت الواو الأخيرة ياء ثم ألفا على ما قدمنا‏.‏

وإذا كانت فعلى فأصلها اووى فقلبت الواو الأولى ثم الثانية ثم أدغمت الأولى فيها على ما بيناه آنقا‏.‏

ولا يجوز أن يكون إيا إذا جعلتها من لفظ اوو فعلا‏.‏

ويجوز فيه وجه ثالث وهو أن يكون فعولا قلبت عينه للكسرة ثم واوه لوقوع الياء قبلها ولا يجوز أن يكون ايا فعللا مضعف اللام بمنزلة ضريب لأن ذلك لم يأت في شيء من الكلام وإن شئت جوزت ذلك فيه وقلت‏:‏ إنهما ليستا عينين فتلزما وتصحا‏.‏

ولا يجوز أن يكون إيا من لفظ اآة على أن يجعلهما فعيلا‏.‏

منها ولا افعلا لأنه كان يلزمك أن تهمز آخر الكلمة لأنه لام فتقول إياء‏.‏

ولم يسمع فيه همزة البتة ولا سمع أيضا مخففا بين بين ولكن يجوز فيه على وجه غريب أن يكون فعلى من لفظ وأيت ويكون أصله على هذا وييا فهمزت واوه لانكسارها كما همزت في اساوة و إشاح ونحو ذلك فصارت إييا ثم أبدلت الهمزة ياء لانكسار الهمزة الأولى قبلها ثم أدغمت الياء المنقلبة عن الهمزة ياء لانكسار الهمزة الأولى قبلها ثم أدغمت الياء المنقلبة عن الهمزة في الياء التي هي لام وأيت فصارت إيا‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأنزل التوراة والإنجيل ‏"‏ ‏"‏ إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور ‏"‏‏.‏

وزن التوراة عندنا فوعلة من‏:‏ ورى الزند يرى وأصله وورية‏.‏

فأبدل من الواو تاء كتخمة وتراث وتولج وأنت تقوم‏.‏

وقيل‏:‏ أصله‏:‏ توراه تفعلة فقلب كما قيل في جارية‏:‏ جاراة وفي ناصية‏:‏ ناصاة‏.‏

و إنجيل إفعيل من النجل وهو الأصل إذ هو أصل العلوم والحكم‏.‏

باب ما جاء في التنزيل من القلب والإبدال فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ نغفر لكم خطاياكم ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ أو الحوايا ‏"‏‏.‏

ف ‏"‏ خطايا ‏"‏ عند الخليل فعالى مقلوب من فعايل قدمت اللام على الهمزة فصار خطا أى ثم أبدلت من الكسرة فتحة ومن الياء ألف فصار‏:‏ خطآ فلما كثرت الأمثال أبدلت الهمزة ياء فصار خطايا وهكذا الحوايا أصله حوايى ثم حوايا‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ على شفا جرف هارٍ ‏"‏‏.‏

أصلها هاير فصار هار مثل‏:‏ قاض ومثله‏:‏ شاك السلاح ولاث وأنشد‏:‏ لاثٍ به الأشاء والعبرى ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ‏"‏ ف ‏"‏ أشياء ‏"‏ أصله‏:‏ شيئاء على وزن فعلاء‏.‏

يدل على الكثرة كالطرفاء والحلفاء قلبت لامه إلى أوله فصار لفعاء‏.‏

هذا مذهب الخليل‏.‏

وقال الأخفش‏:‏ أصله أشيياء على وزن أفعلاء فحذفت لام الفعل‏.‏

قال الفراء‏:‏ وزنه أفعال وقد ذكرت وجه كل قول في الخلاف‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ كلتا الجنتين آتت أكلها ‏"‏ التاء بدل من الواو التي هي لام في ‏"‏ كلا ‏"‏ كما قلنا في ‏"‏ التوراة ‏"‏ و ‏"‏ التراث ‏"‏ من قوله‏:‏ ‏"‏ وتأكلون التراث أكلاً لما ‏"‏‏.‏

وقيل‏:‏ هي بدل من التاء‏.‏

إنهم اختلفوا في لام كلا قال الجرمى‏:‏ التاء زائدة في كلتا ووزنه فعتل وليس في الكلام فعتل وكذلك التاء في بيتٍ و أختٍ من قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وله أخ أو أخت ‏"‏ بدل من الواو لقولك‏:‏ أخوان وإخوان فأما البنت فيجوز أن يكون من الواو ويجوز أن يكون من الياء‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإذا الرسل أقتت ‏"‏ أصله وقتت لأنه من الوقت أي‏:‏ جمعت لوقتها‏.‏

ومنه‏:‏ ‏"‏ فطفق مسحاً بالسوق ‏"‏ فيمن همز‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فاستوى على سوقه ‏"‏‏.‏

همز الواو لمجاورة الضمة كما همزها إذا انضمت ولهذا قرأ من قرأ‏:‏ ‏"‏ وكشفت عن ساقيها ‏"‏ بالهمز كما اعتاد الهمز في السوق‏.‏

ومنه قوله‏:‏ ‏"‏ قل هو الله أحد ‏"‏ الهمزة بدل من الواو في وحد لأنه من الوحدة‏.‏